ماذا يريد المستثمر من رائد الأعمال؟

كيف تجذب انتباه المستثمر لتمويل مشروعك

يتذمر بعض رواد الأعمال من قلة فرص الدعم المادي لمشاريعهم الناشئة وافكارهم الجريئة ويوجهون اصابع الاتهام لصناديق رأس المال “الجريء” VC بأنها لا تمت “للجرأة” بأي صلة. ومن باب الانصاف اردت ان اوضح بعض النقاط التي قد تشكل عائقاً امام المستثمرين لدعم المشاريع الناشئة لرواد الأعمال. وسأتناول في طرحي هذا وجهة نظر شركات الاستثمار في رأس المال الجريء Venture Capital، التي تختلف عن شركات الاستثمار الخاص Private Equity وغيرها من شركات الاستثمار.

ولجذب انتباه المستثمرين يجب على رائد/رائدة الأعمال أن ينتبه للعناصر الهامة التي تركز عليها شركات الاستثمار في رأس المال الجريء. وبأمكاننا ان نطلق على هذه العناصر كلمة “المعايير” Screening Criteria or Filtering Criteria لكي تكون اكثر دقة واقرب إلى الواقع، فالمعايير هي عبارة عن شروط او افعال تحدد وفقأ لتوجه مسبق وهدفها تمكين صاحبها من اتخاذ القرار المناسب.

ويجب الاشارة هنا بأنني لم أحدد هذه المعايير وفقاً لتوجه جميع المستثمرين، وانما بحسب خبرتي المتواضعة من خلال احتكاكي بسوق الاستثمار المحلي والعالمي. فقد تجد مستثمر يستخدم جميع هذه المعايير وآخر يستخدم بعضها وثالث يستخدم معايير لم أذكرها هنا.

زيادة المخاطر تؤدي لزيادة العوائد

نظرة المستثمر في رأس المال الجريء

المهمة الاساسية لشركات الاستثمار في رأس المال الجريء هي المساهمة في دعم المشاريع والشركات الناشئة التي تعنى بالابتكار والابداع التقني. وينتج عن ذلك خلق للوظائف وبالتالي النهوض بالاقتصادات.

شركات الإستثمار في رأس المال الجريء تختلف في توجهاتها الإستثمارية، فبعضهم يفضل الإستثمار في المراحل الاولية/المبكرة للمشروع (الشركة)، والبعض الآخر يفضل المراحل المتوسطة والبعض يفضل المراحل المتأخرة. وكلما تأخرت مرحلة الإستثمار زاد تقييم المشروع (الشركة) وقلت المخاطر وزاد حجم الإستثمار.


والمعايير التي سأذكرها هنا غالباً ما يتخذها المستثمر في المراحل الاولية/المبكرة وهي التي تهم رواد الأعمال في المشاريع والشركات الناشئة (Startups). ففي بداية مشاريع الشركات الناشئة لا يحتاج رائد الأعمال مبالغ ضخمة لإطلاق مشروعه ولن تنظر اليه شركات الاستثمار الكبرى نظراً لصغر حجم المشروع في بدايته وعدم وجود عوائد مجزية من مبيعات وعدد عملاء ونمو سريع (متسارع). ونذكر هنا المتسارع لأنه المحدد الاساس الذي يفرق بين الشركات والمشاريع “التقليدية” و “الناشئة”.


وللتفريق بين شركات الإستثمار في رأس المال الجريء يمكننا ان نفصلهم كالتالي:

  • شركات تستثمر في المراحل الأولية/المبكرة

    وعادة تكون في مرحلة بناء المنتج أو الخدمة او بعدها بقليل، حيث يكون لدى الشركة الناشئة بعض من المبيعات او عدد قليل من العملاء. وهنا يكون تقييم الشركة الناشئة متواضع (نصف مليون دولار إلى مليون ونصف دولار تقريباً). ويسمى نوع الاستثمار هنا بالجولة الاستثمارية Pre-Seed أو Seed (البذرة).

  • شركات تستثمر في المراحل المتوسطة

    وعادة تكون في مرحلة نمو المنتج أو الخدمة، حيث يكون لدى الشركة الناشئة رقم واضح ومتزايد للمبيعات او عدد كبير ومتزايد من العملاء بشكل شهري. وهنا يكون تقييم الشركة الناشئة أفضل من سابقه (مليونين دولار إلى عشرة مليون دولار تقريباً). ويسمى نوع الاستثمار هنا بالجولة الاستثمارية Series A (الجولة أ).

  • شركات تستثمر في المراحل المتأخرة

    وعادة تكون في مرحلة النمو السريع للمنتج أو الخدمة والشهرة والسمعة المتزايدة، حيث يكون لدى الشركة الناشئة رقم واضح ومتزايد بشكل كبير للمبيعات او عدد كبير ومتزايد جداً من العملاء بشكل اسبوعي. وهنا يكون تقييم الشركة الناشئة أفضل بكثير من سابقه (عشرة مليون دولار فما فوق). ويسمى نوع الاستثمار هنا بالجولة الاستثمارية Series B (الجولة ب).

  • شركات تستثمر في المراحل ما بعد المتأخرة

    وعادة تكون في مرحلة تضخم الشركة ومنافستها لكبرى الشركات العالمية، حيث يكون لدى الشركة الناشئة رقم ضخم وكبير جداً للمبيعات او عدد ضخم وكبير ومتزايد جداً من العملاء بشكل يومي. وهنا يكون تقييم الشركة بمئات الملايين من الدولارات. ويسمى نوع الاستثمار هنا بالجولة الاستثمارية Series C (الجولة ج).

  • شركات تستثمر في المراحل المليارية Unicorn

    هنا تكون الشركات في مراحل متقدمة ومهيأة إما للاستحواذ او الطرح الاولى في سوق الاسهم ويكون تقييم الشركات عادة مليار دولار فما فوق. ويرمز لها باليوني كورن Unicorn وهو الحصان المجنح الطائر والذي يحلق مرتفعاً بسرعة في السماء (حيوان خرافي يرمز إلى السرعة في الصعود). ويسمى نوع الاستثمار هنا بالجولة الاستثمارية Series D (الجولة د).


ملاحظة: قد يختلف بعض الأشخاص في مسميات الجولات ولكن اختلافهم لن يبتعد كثيراً عما ذكرت من الارقام اعلاه.

المعايير التي تعتمدها شركات رأس المال الجريء عند الاستثمار في الشركات الناشئة

تعدد المؤسسون

المؤسسون وليس المؤسس. يجب ان ينتبه رائد الأعمال إلى هذا المعيار بحرص، فالمستثمر الجريء لا يلقي بنفسه إلى التهلكة من خلال مؤسس وحيد قد يتغير مزاجه من فترة إلى اخرى ويؤثر بشكل سلبي على سير العمل ونمو المشروع. أو قد ينسحب المؤسس لأسباب خاصة او قد يصاب بمرض (لا قدر الله) يمنعه من مواصلة العمل على تنفيذ المشروع، وهذه مخاطرة عالية يمكن تفاديها بوجود أكثر من مؤسس يكونون شركاء في المشروع Co-Founders يقومون بأعمال مختلفة كل حسب خبرته ومعرفته. وفي العادة (وليس دائماً) يكون هناك مؤسس شريك أساسي ويساعده مؤسس آخر او مؤسسين آخرين شركاء بنسب متفاوتة تشجعهم على البقاء في المشروع حتى ينجح ويحقق الخطة المرسومة له والتي يتفق عليها جميع المؤسسون.

يفضل المستثمر أن لا يقل عدد المؤسسون عن أثنين وأن لا يزيد عن اربعة حتى لا يصبح الامر معقداً. أنا شخصياً أفضل المشاريع التي يديرها أثنين أو ثلاثة.

مصداقية وخبرة الإدارة (فريق العمل)

أهم عنصر هو إدارة الشركة/المشروع وينظر المستثمر لفريق الإدارة (فريق العمل) على انها القلب النابض والعقل المدبر للمشروع. ومالم تكون الإدارة مكونة من مؤسسي المشروع او على الاقل أحدهم او اثنين منهم فلن ينظر لهم اي مستثمر بجدية. وعندما نقول مصداقية الفريق نقصد ما يصدر عنهم من اقوال أو افعال تطابق او تجانب الصواب. فبعض رواد الأعمال تجده يبالغ في طرح افكاره وانجازاته وعندما تبدأ بالتحقق منها تجدها سراب ولا تعدو سوى اكاذيب صدقها وعرضها على المستثمرين آملاً بالحصول على دعم مالي. وفي اللحظة التي يكتشف فيها المستثمر كذب او تدليس رائد الأعمال ينسحب مباشرة ويصعب حينها ترقيع الامر.

أما الخبرة، فلا يستوجب أن تكون خبرة رائد الأعمال أو الفريق عميقة في المجال وإنما يكفي أن يكون لديهم مبادئ المجال الذي يعملون فيه ويفضل ان تكون خبرتهم مدعومة بنجاحات سابقة. ولا اقصد هنا ان الخبرة تقاس بالسنوات فحسب و إنما بجدية الخطوات وثبات الفريق إلتزامهم بأصول العمل و إلمامهم بجوانب المشروع او الفكرة.

التفرغ التام للمشروع

الكثير من المشاريع الناشئة والتي تفشل يديرها أشخاص غير متفرغون، لذا يفرض المستثمرون أن يتفرغ “أحد” المؤسسين على الأقل لإدارة المشروع وأن يلحق به باقي المؤسسين في أقرب فرصة ممكنة عند وصول المشروع إلى مرحلة النمو. أنا شخصياً أفضل أن يتفرغ احد المؤسسين للإدارة التنفيذية ويلحق به باقي المؤسسين بعد أشهر قليلة من تحقيق الاهداف المنشودة كالمبيعات او عدد العملاء او حجم الأعمال المنفذة.

من غير المنطقي ان يقوم المستثمر بالموافقة على استثمار أي مبلغ لمشروع لا يوجد فيه مؤسس متفرغ.

من غير المنطقي ان يقوم المستثمر بالموافقة على إستثمار أي مبلغ لمشروع لايوجد فيه مؤسس متفرغ

سرعة نمو المشروع (نمو متسارع)

لا تُعد الشركة مشروعاً مستهدفاً للمستثمرين في رأس المال الجريء مالم تكن سريعة النمو او يكون لديها خطة سريعة النمو. فالشركات والمشاريع التقليدية لها نوع آخر من المستثمرين وعادة تكون نظرتهم مختلفة تركز في غالبها على اداء الشركة في جني الارباح، بينما يركز مستثمري رأس المال الجريء على تعظيم القيمة للشركة من خلال رصيدها من عدد العملاء او النمو المتسارع في الارقام.

لدي فكرة! هل تستثمر معي؟

لا.. المستثمر الجريء لا يستثمر في الافكار وانما يستثمر في المشاريع القائمة والتي يوجد بها نموذج منتج او خدمة وسأقوم بشرح “نموذج المنتج في الفقرة التالية”.